ینص النموذج القیاسي للكون أن المجرات التي نراھا الیوم لم تكن موجودة في السابق. فعندما كان الكون في البدء كانت
المادة كلھا في صورة إشعاع (دخان). وعندما انفجر الكون توسع وانخفضت درجة حرارتھ، وبدأت المادة في الظھور
بأشكالھا المختلفة. فتحولت طاقة الإشعاع إلى كتلة لتكوین الجسیمات الدقیقة، كما تنص نظریة أتشتین للطاقة والكتلة
وذلك بأنھما متكافئتان. تشكلت في البدء الالكترونات والبروتونات والنیوترونات وجسیمات أخري لا توجد في الذرات
التي نعرفھا الیوم. وكانت كل ھذه الجسیمات في حالة اتزان حراري یتحول كل جسیم إلى الآخر.
وبتوسع الكون بردت حرارتھ وبدأت تتجمع ھذه الجسیمات
لتكوین الذرات. فتجمعت الإلكترونات مع البروتونات
لتكوین ذرة الھیدروجین، واتحدت البروتونات مع
النیوترونات لتكوین انویة العناصر، مثل عنصر
الدیوتریوم، واستمر ھذا الاندماج النووي مكونا انویة
عناصر خفیفة أخري. وبتوسع الكون المستمر وانخفاض
درجة حرارتھ سرعان ما توقف تكوین ھذه الانویة لعدم
توفر الطاقة الحراریة الكافیة للاندماج. بعد ھذه الحقبة
أصبح الكون مملوء بذرات الھیدروجین وبعض الذرات
الخفیفة مثل الھلیوم وبقیة من ضوء الانفجار. وبعد حوالي
ثلاثمائة آلف عام من بدایة الانفجار بدأت ھذه الذرات
بالتجمع لتك وّن ما یُعرف بالنجوم.إ ذا فًالنجوم، مثل الشمس،
عبارة عن تجمعات ضخمة من ذرات الھیدروجین. وبسبب
قوي الجاذبیة بین ھذه الذرات بدأت تنمو ھذه التجمعات
النجمیة وتكبر. وبمرور الوقت تتحد مكونة ما یُعرف
بالمجرات. وتتكون المجرات في المتوسط من حوالي
ثلاثمائة بلیون نجم. وبسبب الجاذبیة أصبحت ھذه التجمعات
المج رّیة تشكل الكون الذي نعیش فیھ الیوم. ولھذه المجرات
أشكال ھندسیة مختلفة، فمنھا ما ھو كروي وبیضاوي
وحلزوني وذلك اعتمادا عًلى طبیعة نشأتھا. وتدور كل ھذه
المجرات حول نفسھا بسرعات مختلفة وتتباعد عن بعضھا
البعض بسبب توسع الكون المستمر. ولقد مر حوالي ثلاثة
عشر بلیون عام منذ بدایة الانفجار. وھذا ھو عمر الكون
الذي نعیش فیھ الیوم. ویُعرف ھذا الكون بالكون المنظور.
نجد أن توسع الكون ظل یتباطأ باستمرار وذلك لأن قوى
الجاذبیة تجعل المجرات تتجاذب مما یؤدي إلى ضعف
التوسع. ولكن وللدھشة وجد الفلكیون عام 1998 م أن
توسع الكون أصبح یتسارع وذلك من مشاھدة الضوء القادم
من الأجرام السماویة البعیدة، والذي أظھر ضعفا مستمرا،
مما یعني تباعد ھذه الأجرام منا بمعدل كبیر. ولتفسیر ھذا
التسارع وضع العلماء عدة نماذج. ینص أحداھا بأن الكون
مملؤ بطاقة خفیة (مظلمة) لھا ضغط سالب (عكس طبیعة
المادة المألوفة) حیث تتنافر مكوناتھا مما یؤدي إلى تسارع
الكون. ویتطلب أن تمثل ھذه الطاقة ثلثي طاقة الكون الكلیة،
ولكن لسوء الحظ لم تكتشف ھذه الطاقة بعد.
على الصعید الأخر، لقد وجدنا نموذجا كونیا آخر یعزي
سبب ھذا التسارع إلى زیادة قوى الجاذبیة الكونیة مع
الزمن. وبسبب زیادة ھذه القوى، ولكي لا یسقط الكون على
نفسھ، كان لا بدُ للكون إلا أن یزید من تسارعھ حتى یبقى
في حالة اتزان مستمر. الجدیر بالذكر، أن قوى التجاذبكوني ھي قوى ضخمة جدا جدا، تبلغ حوالي 1043 نیوتن.
وإن ازدیاد قوى ھذه الجاذبیة لھ تبعات فلكیة وجیولوجیة
عدیدة. بناء على قوانین نیوتن وكبلر الكونیة، نجد أن حركة
الكواكب والتوابع (الأقمار) تتأثر بشدة بتغیر قوى الجاذبیة.
فالكواكب، مثل الأرض، عبارة عن أجرام سماویة تدور
حول الشمس بسرعات ومسافات مختلفة. بعض ھذه
الكواكب صخري وبعضھا الآخر غازي. ویعتبر المشتري
أكبر ھذه الكواكب حجما .ً
فإذا زادت قوى الجاذبیة تزید سرعة دوران الكوكب حول
الشمس، ویتناقص بعُده عنھا وبالتالي تنقص سنة الكوكب.
إذا فًالدلیل على زیادة قوى الجاذبیة ھو ظھور مثل ھذه
التغیرات. فعلى مستوى التوابع، مثل قمرنا، فإن زیادة
الجاذبیة تؤدي إلى زیادة قوى المد والجزر والتي یمكن
ملاحظتھا ورصدھا عبر القرون السابقة بواسطة الدراسات
الفلكیة والجیولوجیة. تؤدي زیادة المد إلى تباطؤ دوران
الأرضحول نفسھا الأمر الذي یجعل الیوم طویلا. وبتباطؤ
دوران الأرض حول نفسھا باستمرار لا تستطیع الأرض
المحافظة على تماسك كتلتھا. ویؤدي ھذا إلى إحداث خلل
فیھا مما یعُ جّل تفككھا. ھذا یعني أنھ في الماضي السحیق،
كانت الأرض تدور حول نفسھا بسرعة كبیرة جدا، مما
جعل الیوم في تلك الحقبة قصیرا، حیث دلت الدراسات على
أن طول الیوم كان حوالي ستة ساعات، عندما تكونت
الأرضوذلك قبل حوالي 4.5 بلیون عام.
بما أن زیادة الجاذبیة تؤدي إلى اقتراب القمر من الأرض،
فإن الأرض تعمل بشد صخوره وبعد فترة من الزمن یبدأ
بالتشقق وتتناثر صخوره في الفضاء، كما ھو الحال بالنسبة
لحلقات زحل، التي یعتقد الفلكیون بأنھا كانت في الماضي
قمرا یدور حول زحل. وبالمثل، بزیادة قوى الجاذبیة تبدأ
الكواكب بزیادة سرعاتھا حول الشمس واقترابھا منھا،
ویتناقص طول سنینھا باستمرار. ولقد دلت الدراسات
الجیولوجیة أن السنة كان بھا حوالي 400 یوم قبل حوالي
400 ملیون سنة. وتناقص عدد الأیام في السنة باستمرار
إلى أن وصل إلى قیمتھ الحالیة، 365 یوم.
أكد النموذج الكوني الذي قدمناه التنبؤ بھذه النتائج،
بالإضافة إلى أن الأرض في الوقت الحالي تقترب من
الشمس بحوالي 20 متر في العام. ھذا یعني أن الأرض
كانت على مسافة تعادل حوالي ضعف بعدھا الیوم عن
الشمس عندما نشأت الأرض، وعلیھ ستجتمع الشمس
والقمر على الأرض في المستقبل البعید، كما أخبرنا لله
تعالى في قرآنھ المجید. وسبحان لله العظیم!
السبت فبراير 27, 2010 8:33 am
